بينما زار وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو العاصمة الألمانية من أجل إحياء الذكرى الثلاثين لسقوط جدار برلين هذا الأسبوع، أشّر زعماء ألمان إلى سياسة جديدة، بدا أنها تلبي مطالب واشنطن: زيادة كبيرة في إنفاق الدفاع.
ففي إعلان لوزيرة الدفاع أنغريت كرامب كارينباور، تعهدت ألمانيا أخيراً ببلوغ الهدف الذي حدده «الناتو» بخصوص الإنفاق العسكري والمتمثل في 2 في المئة من الناتج الاقتصادي. فخلال كلمة لها في فعالية أقيمت على شرف أمين عام حلف «الناتو» ينس ستولتنبرغ في ميونيخ الخميس الماضي، قالت «كرامب كارينباور» إن قدرة أوروبا على الدفاع عن نفسها «تبدأ مع ميزانية الدفاع».
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وعلى غرار زعماء أميركيين آخرين قبله، انتقد علانية الدول الأوروبية مثل ألمانيا بسبب إنفاقها العسكري المتدني نسبياً. وأشار ترامب إلى ألمانيا بشكل خاص، وهي أكبر اقتصاد في أوروبا، باعتبارها المستفيدة الأكبر من وجود الجيش الأميركي، إذ قال لقناة «فوكس بيزنس» هذا الصيف إن «ألمانيا لا تدفع المبلغ الذي من المفترض أن تدفعه» في ما يتعلق بالناتو وأن البلد «يستغل الوضع كثيراً».
غير أن ترامب من المستبعد أن يكتفي بذلك. فرغم أن الرئيس الأميركي قد يسعد بالإعلان الألماني، إلا أنه سيكون من الصعب إقناعه بتوقيته. ذلك أن «كرامب كارينباور» حدّدت 2031 كسقف زمني لبلوغ هذا الهدف – أي بعد 12 سنة من الآن. وفي هذه الحالة، ستضيع ألمانيا هدف 2024 الذي اتفق عليه قادة «الناتو» في قمة قبل خمس سنوات. (ألمانيا قالت إن إنفاقها العسكري سيبلغ 1.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول ذاك التاريخ).
كما أنه لا يرقى إلى ما أخذ يطالب به ترامب في الآونة الأخيرة: فالرئيس الأميركي قال العام الماضي إن 2 في المئة غير كافية، وإنه ينبغي على الحلفاء في «الناتو» أن يرفعوا إنفاقهم العسكري إلى 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
غير أن التعهد الألماني يشكّل مع ذلك تطوراً كبيراً – وزيادة ضخمة محتملة في الإنفاق. ومن أصل أعضاء «الناتو» الـ 29، فإن 7 فقط ملتزمون حالياً بتعهد الـ 2 في المئة، وهم: الولايات المتحدة، واليونان، وإستونيا، وبريطانيا، ورومانيا، وبولندا، ولاتفيا.
وتشير التقديرات إلى أن إنفاق ألمانيا على الدفاع في 2019 لا يتجاوز 1.36 في المئة من الناتج المجلي الإجمالي، ما يضعها في وسط المجموعة (إسبانيا لا تنفق سوى 0.92 في المئة من ناتجها الاقتصادي على الدفاع، بينما تنفق لوكسمبورغ 0.55 في المئة).
غير أن بعض المحللين لطالما أشاروا إلى أن ربط إنفاق الدفاع بحجم الاقتصاد هو أمر مضلل. فألمانيا هي رابع أكبر اقتصاد في العالم، بناتج محلي إجمالي أكبر من حجم اقتصاد إستونيا بأكثر من 10 مرات. ورفع إنفاقها العسكري إلى 2 في المئة يقتضي زيادة بعشرات المليارات من الدولارات في حجم إنفاقها. وهذا يمكن أن يجعل ألمانيا ثالث أكبر منفق في العالم، خلف الولايات المتحدة والصين فقط.
ورغم أن دستور ألمانيا ينص على ألا يلعب جيشها سوى دور دفاعي، وإذا كان البلد قد تحاشى النزاعات الكبيرة بوضوح، إلا أنه من الصعب زعزعة الذكريات الأوروبية عن النزعة العسكرية الألمانية خلال النصف الأول من القرن العشرين.
وعلاوة على ذلك، فإن الجوانب العملية للزيادة في إنفاق الدفاع الألماني تمثّل أيضاً مشاكل كبيرة. فرغم أن التقارير حول نقص التمويل العسكري الألماني شهيرة -- في 2014، شارك جنود ألمان في مناورة عسكرية للناتو مزودين بعصي بدلاً من أسلحة -- إلا أن استيعاب عشرات المليارات من الدولارات يمثّل عبئاً بقدر ما يمثل دفعة قوية.
وفضلاً عن ذلك، فإن زيادة إنفاق الدفاع موضوع حساس سياسياً. فـ«الحزب الاجتماعي الديمقراطي» (إس. بي. دي)، وهو الحزب الأصغر في الائتلاف الحكومي مع حزب المستشارة أنجيلا ميركل «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (سي دي يو)، يعارض زيادة الإنفاق العسكري. وقد أفادت مجلة «دير شبيجل» الخميس أن الحزبين على خلاف بشأن تفاصيل مقترح كرامب كارينباور.
*صحافي بريطاني
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»